إذا نظرنا و تأملنا بدقة في جمال القصر القديم لمدينة عين ماضي و روعته من داخله و خارجه محاطا بتلك البساتين، فهو يعكس لنا هندسة معمارية تتماشى مع البيئة.
التأسيس :
يرجع زمن تشيد هذا الصرح الكبير إلى يد عرش التجاجنة، و هم أول من سكن و شيد مدينة عين ماضي ، كان ذلك قبل تسعة قرون من الزمن حسب التاريخ المتواتر لسكانه الأصليون .
الهندسة :
قصر عين ماضي هو تحفة معمارية مميزة ، تحيط به مجموعة من البساتين فهو كما قال غيه أحد المؤرخين " قصر عين ماضي هو جوهرة ملفوفة في قطن " . فهو مصمم بدقة و فخامة تجعله مقصدا للسياح .
هندسته شبيهة بقرى الجنوب حيث الأزقة ضيقة لكنها بخلاف هاته القرى ، فإنها تسمح للحيوانات كالجمال و البغال بالسير فيها.
روعة هندسة قصر عين ماضي و فن عمارته جعلت من المؤرخ و الرحالة الألماني van maltsan حينما زارها يقول " أنه لم ير مثلا لحصنها و قلاعها إلا في مدن الشام " و دون ذلك في كتابه " ثلاث سنوات في شمال إفريقيا " .
التصميم :
بني القصر القديم كله من الحجارة و الطين Tuf ، على عكس بعض القصور الأخرى هنا في الجزائر بناؤها من الطين فقط ، فجدرانه كلها من الحجارة و كذلك الأبنية ، إذ يحتوي على أكثر من 270 منزل ، و كل منزل يحتوي على طابق أرضي على الأقل .
سقوف المنازل مبنية بخشب العرعار TUYAو القصب . و العرعار كما هو معروف إذا قطع أخضر لا يصيبه التسوس ، و كما أن خشب العرعار لا يتجاوز المترين فجل الغرف عرضها مترين .
و كما أن السقف لا يتجاوز علوه المترين فإن الإنسان غاليا ما يستغني عن التدفئة ، أما في فصل الصيف فالغرف باردة إذ أن السقف الثاني الأعلى يعزل حرارة الشمس .أما في الليل فالسطح يعوض الغرفة .
أبواب القصر القديم :
به ثلاث أبواب :
1.باب الساقية : باب الساقية من الداخل :
2.الباب الكبير : موقعه الأصلي :
3.الباب الشرقي :تم فتحه في الأربعينيات .
كلها كانت تغلق في المساء و تحت حراسة مشددة ، و كانت في القصر حوالي 12 قلعة محصنة غير أن أغلبها طمس و لم يبق منها إلا ثلاثة ، كان ارتفاع الصور الحصين يتراوح ما بين 06 إلى 10 أمتار علوا ، فالصور يرمز للقوة و الهيبة .
كما يحتوي القصر على 04 بئرعميقة يبلغ عمق الواحدة حوالي 30 متر .
الحملات على عين ماضي :
شهد القصر القديم لعين ماضي قديما عدة حملات لحصاره من الأتراك سابقا ، غير أن قوة الحصن و القلاع حالة دون سقوط القصر في أيدي الغزاة ، حيث حوصر عدة مرات و في فترات طويلة تصل إلى أشهر و لم يسقط ، بفضل وجود المؤن التي يخبئها السكان و التي تكفي حوالي العام ، و بفضل وجود 04 بئر للمياه داخل القصر.
الحملات :
1784 - 1785 م : محمد الكبير ( باي وهران )
1787 - 1788 م ( 1201 - 1202 هـ) : الباي عصمان و لد الباي محمد الكبير .
1820 م : باي وهران حسان .
1822 - 1823 م ( 1237 - 1238 هـ ) :باي الطيطري مصطفى بومزراق .
22 جوان 1838 م - 02 ديسمبر 1838 م : الأمير عبد القادر ( مع محمد الحبيب). هجوم قام به الأمير عبد القادر لكنه لم يستطع الدخول إلا بمعاهدة كما هو معروف تاريخيا و لأسباب تاريخية .
مميزاته :
من مميزات القصر القديم البراعة في التخطيط و الشوارع الطويلة و الضيقة و الجدران الكبيرة و العالية و القلاع التي كانت به قديما ، كلها زادت من جماله .
يعتبر قصر عين ماضي نموذجا للعديد من القصور الأخرى ، له سحر جمالي نتيجة التقنيات التي استعملت في ذاك العصر، فهو فريد من نوعه من هذه الناحية و هو يقدم نافذة في عمق تاريخ هاته القرية ، فالقصر مصمم بفخامة تجعل منه مقصدا للسياح ، فالأقواس المقوسة و الميزات الهندسية كلها من مميزات الحضارة الإسلامية وقتها ، ففن عمارة القصور المغربية الإسلامية تظهر جلية في هذا القصر واضحة متناسقة فيما بينها كما تزيده البساتين المحيطة به رونقا و جمالا.
القصر حاليا :
هذا التراث الضارب في عمق التاريخ و الذي يعتبر من أهم المراكز الأثرية لمدينة عين ماضي هو الآن في تدهور مستمر نتيجة عاملي الزمن و عدم اكتراث السلطة المحلية به .
ومع نزوح السكان إلى الأحياء الجديدة ، فقد تدهورت حالة هذا القصر و كانت البداية من نخور تقع في الميزاب " صراف مياه الأمطار من أعلى سطوح المنازل " ، ثم تلا ذلك تخريب من طرف البعض حيث نهبت الأبواب و الأخشاب ،و المسؤولية تقع على الإدارة المحلية .
و لحق بعد ذلك تدهور في الجدران جراء هذا الفساد و التخريب الذي لحق به .
فقصر عين ماضي له مكانة على الخريطة السياحية الوطنية و العالمية ، لذا يستحسن من السلطات المعنية التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حفاظا على التراث الجزائري القديم ، كما ينتظر من السلطة الولائية و خاصة مصلحة الآثار أن تنظر إلى هذا المعلم لعله يصنف ضمن الآثار .